التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أواصر هشة


           

                                           -     م. سامي بن عيد 


يسعى للبر بوالدته ويتواصل معها من بعيد لكنه انقطع عن زيارتها منذ عدة سنوات بسبب خلاف مع زوج أمه.
وأخرى نادرا ما تزور والدها في بيته لأنها ليست على علاقة جيدة مع زوجة أبيها.
وآخر منذ فترة طويلة لم يدخل بيت أخته لأنه لا يحب زوجها، وأخرى لم تفكر يوما ما بزيارة أخيها بسبب سوء تفاهم قديم مع زوجته.
وقل نفس الشيء عن العم والعمة والخال والخالة ،و.....
صور مؤلمة من التقصير في بر الوالدين وصلة الرحم يجد أصحابها لأنفسهم المبررات الواهية للاستمرار على فعلها بالرغم من الألم والحزن الذي  يشعر به الطرف الآخر.
تمر الأيام والأعياد والمناسبات دون لقاء أو اجتماع، فقدت تلك الأسر حلاوة اللمة والاجتماع والمشاركة والتعاضد ،
 إلا يخشى أولئك أن يؤدي بهم التمادي في ذلك إلى قطيعة الرحم، فطول العهد والبعد يؤديان إلى الجفاء وضعف الأواصر ثم القطيعة،  ومن ثم الدخول في قوله تعالى 
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ (23)} [محمد : 22-23]

وأكمل أنواع الصلة هي التي يصل بها الإنسان من قطعه ، قال ﷺ : (ليس الواصل بالمكافِئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها) رواه البخاري.
إن من بواعث السعادة التفاف  الأولاد والأحفاد حول الأبوين، وقرب الأخ من أخته يشعرها بالأمان كونه سند وعضد لها. والأخت مصدر أنس لأخيها ونبع للحنان والرحمة.
وكل إنسان يفرح بأهله وأقاربه ووقوقفهم بجانبه في وقت الفرح أو وقت الشدة.
العودة إلى تلك الأيام الجميلة أيام الاجتماع والألفة تحتاج منا إلى خفض الجناح ، والإحسان وحسن المعاشرة ، والصبر على أذى الآخرين ، والعفو والتغافل.
قال تعالى:
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت : 34]
الأمر عظيم لأن (( الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي ، وَصَلَهُ اللهُ ، وَمَنْ قَطَعَنِي ، قَطَعَهُ اللهُ )) مُتَّفَقٌ عليه.

تعليقات

  1. جزاك الله خيراً
    مقال رائع ومؤثر يستحق النشر

    ردحذف
  2. جزاك الله خير يا ابو البراء دائما مميز

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دثار أبي

.  دثار أبي ( كلمات لم أستطع أن أبوح بها لوالدي هيبة منه ) عندما أعود بذاكرتي إلى أيام الطفولة، أتذكر البرد القارص للشتاء في بلدة الكرك ، كان ذلك في بداية السبعينيات الميلادية. في منتصف غرفة الجلوس في بيتنا كانت هناك مدفأة تعمل بالكاز ، والأرض مفروشة بسجاد وفوق السجاد تم وضع قطع من فرو الأغنام والتي تسمى بالجاعد. كان والدي حفظه الله في أغلب أمسيات تلك الأيام الباردة يرتدي فروة طفيلية وهي عبارة عن دثار مبطن بفرو صغار الأغنام. أسعد لحظات حياتي في تلك الساعات عندما يضمني والدي تحت جناحه ويدخلني تحت دثاره. عندها أشعر بدفء في جسدي الصغير ودفء من نوع آخر هو دفء حنانه ومشاعره. كان يطلق علي أسماء مختلفة مرة يدعوني بمعن ومرة مجاهد وغيرها من الأسماء المختلفة التي تشعرني بالأمان والتميز والسعادة الغامرة. وكلما مرت الأيام والسنون أكتشف أكثر أن دثار أبي يضم تحته الكثير والكثير من الأسر والأرحام والارامل والايتام والفقراء والمحتاجين، يساعد هذا ويضمد جراح هذا، ويمد يد العون لآخرين ، يساعد أحدهم في مشروعه الصغير ، ويقرض آخر ليشتري أرضا أو يبني بيتا ، بل وقف بنفسه على بناء عدد من...

القلوب الأشد فرحا بالعيد

. القلوب الأشد فرحاً بالعيد (1)       -  سامي بن عيد عيد الأضحى 1434هـ        لازلت أزداد يقينا ًبأن أكثر الناس فرحاً واستمتاعاً بالعيد هم الأطفال، لأنهم يملكون قلوباً بيضاء طاهرة نقية لا تحمل الحقد أو الضغينة . رأيت أناساً في العيد قد قلبوا أفراحهم أحزاناً ، فهم في كل مناسبة سعيدة يجترون أحزانهم القديمة، ويبكون ويشتكون مصائب الزمان بدل أن يفرحوا ويَسعدوا ويُسعدوا من حولهم ،لم يعيشوا الحزن عند حدوثه مرة واحدة بل عاشوه ويعيشونه مرات ومرات ، ملأوا حياتهم وحياة من حولهم  نكداً وبؤساً حتى أصبحت الشكوى ديدنهم والتعاسة الصفة الملازمة لهم . وعلى العكس من ذلك هناك أناس قلوبهم كقلوب الأطفال بيضاء لا تحمل إلا الخير والحب والمعروف ، قلوب اعتادت على العفو والسماحة، قلوب لينة مرنة لديها القدرة على الصفح والغفران . قلوب علمت أن معنى العفو هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأن أصله المحو والطمس ، فمحت أخطاء اﻷخرين من قلوبها،ونظفت قلوبها مما يفسدها .   وعلمت أن من معاني العفو الأَرضُ الغُفْلُ التي لم تُوطَأَ وليست بها آثار، فلم ...