التخطي إلى المحتوى الرئيسي

القلوب الأشد فرحا بالعيد

. القلوب الأشد فرحاً بالعيد(1)

   

-  سامي بن عيد

عيد الأضحى 1434هـ

 

 

   لازلت أزداد يقينا ًبأن أكثر الناس فرحاً واستمتاعاً بالعيد هم الأطفال، لأنهم يملكون قلوباً بيضاء طاهرة نقية لا تحمل الحقد أو الضغينة.

رأيت أناساً في العيد قد قلبوا أفراحهم أحزاناً ، فهم في كل مناسبة سعيدة يجترون أحزانهم القديمة، ويبكون ويشتكون مصائب الزمان بدل أن يفرحوا ويَسعدوا ويُسعدوا من حولهم ،لم يعيشوا الحزن عند حدوثه مرة واحدة بل عاشوه ويعيشونه مرات ومرات ، ملأوا حياتهم وحياة من حولهم  نكداً وبؤساً حتى أصبحت الشكوى ديدنهم والتعاسة الصفة الملازمة لهم.

وعلى العكس من ذلك هناك أناس قلوبهم كقلوب الأطفال بيضاء لا تحمل إلا الخير والحب والمعروف ، قلوب اعتادت على العفو والسماحة، قلوب لينة مرنة لديها القدرة على الصفح والغفران.

قلوب علمت أن معنى العفو هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأن أصله المحو والطمس ، فمحت أخطاء اﻷخرين من قلوبها،ونظفت قلوبها مما يفسدها.

 وعلمت أن من معاني العفو الأَرضُ الغُفْلُ التي لم تُوطَأَ وليست بها آثار، فلم تسمح لآثار أخطاء الأخرين بالبقاء في ذاكرتها بل نستها وطمستها وكأنها لم تحدث البتة فعادت قلوبها كالأرض البكر التي لم تُوطَأَ، نعم علينا أن نقف هاهنا أمام هذا الأمر البالغ الأهمية " نقاء القلوب ".

القلوب وما أدراك ما القلوب !

قلوبنا أيها الأحبة تحتاج إلى تنظيف مستمرمن أثار الحقد ومن أخطاء الآخرين لأن الحقد والضغينة يعملان  في القلب كفعل الكولسترول الضار بها ؛ إنه يغلق شرايين القلب وييبسها فتفقد مرونتها كما يوهن عضلات القلب ويضعفها فلا يعود القلب قادرا على العمل بكفاءة، أما أصحاب القلوب البيضاء فما أوسع فهمهم وما أعمق حرصهم، فلقد علموا أن من معاني العفو الزيادة وأن من معانيه أيضا المعروف وأن العَفْوُ خيار كلّ شيء وأَجوده، فزادوا على محوهم السيئات بأن أحسنوا إلى من أساء إليهم وقابلوا الإساءة بالمعروف وأصلحوا فكانوا من أجود الناس ومن خيارهم. 

إنها بحق قلوب قد انتصرت على الشيطان فانتصرت على الحسد والبغضاء بكل أبعادهما فسَمَتْ إلى قمة العفو

(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[2]

يالها من قلوب آمنت بموعود الله فتركت الدنيا الزائلة بما فيها وطلبت الآخرة وابتغت ما عند الرحمن الكريم المنان  فعفت ليعفو عنها الرحمن وأحسنت ليحسن لها الكريم المنان، فما أسعدها و ما أعطم فوزها

فالله الله في قلوبنا، فلا ندع الحقد والشحناء  يبيتان في قلوبنا فيلحقان بها الضرر بل لنغسل قلوبنا من الأضغان والشحناء أولا بأول لتعود قلوبنا بيضاء لينة نقية وننال الأجر العظيم من الله

{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[3]

فأجر العفو والإصلاح أجر عظيم لم يحدد في الآية لعظيم ثوابه عند الله فأي مغنم فاز بها العافون عن الناس.

 أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل العفو والإصلاح وأن يجعل قلوبنا لينة بيضاء صافية نقية خاشعة منيبة إلى الله.

                                           تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال،،

 



[1] هذه المقالة كتبتها قبل حوالي سبع سنوات، ونشرتها في حسابي على الفيسبوك ، وأرى أنه من المناسب نشرها هذه الأيام 

[2] سورة البقرة:الآية 268

[3] سورة الشورى:الآية 40

 


تعليقات

  1. ما شا الله تبارك الله مبدع بمقالاتك ودائما تفتح خيالنا وعقولنا بكلامك
    ربي يحفظك يارب لكل احبابك

    ردحذف
    الردود

    1. اللهم آمين وإياكم وجزاكم الله خيرا
      وشكرا جزيلا تعليقاتكم ومشاركتكم فهي حافز لي كبير على الاستمرار
      وأسأل الله أن يجعل في ذلك نفع الناس أجمعين، ويصلح لنا النية والعمل.

      حذف
    2. ماشاءالله مقال رائع يستحق القرائه والمتابعه

      حذف
  2. أبدعت يا صديقي .. ما شاء الله تبارك الله
    سلمت وسلمت أناملك

    ردحذف
    الردود

    1. شكرا يا صديقي الغالي أبا يوسف
      دائما أنت محفز لي على العطاء والاستمرار
      وجزاك الله خيرا 🌹

      حذف
  3. طرح جميل وموفق في أبها إطلالاتك لا شك في أن الأطفال لهم براءة وأفئدة نقية وسجية بطبيعتهم التي لا تعرف من الحياة إلا أجملها بابتسامة تأسر قلوب الكبار

    ردحذف
    الردود

    1. صدقت ما أجمل ابتسامة الأطفال
      شكرا جزيلا على الإضافة الجميلة

      حذف
    2. تبارك الرحمن مبدع دوما أستاذنا الكريم وفقك الله

      حذف
    3. اللهم آمين وإياكم
      وجزاكم الله خيرا

      حذف
  4. أبو طلال الحسيني23 مايو 2020 في 11:01 ص

    تأمل عميق وتنبيه وتذكير لطيف نحتاج إليه جميعا مع إطلالة العيد ، ما أحوجنا لأن نحيا بأسلوب التغافل في هذه الأيام خاصة ، حتى تكتمل الفرحة على تمامها وتعود جديدة سليمة كقلب طفل .

    ردحذف
    الردود

    1. حيا الله صديقي الغالي أبا طلال
      شكرا جزيلا للمشاركة الجميلة
      اتمنى أن نستمتع بفرحة العيد بقلوب الأطفال

      حذف
  5. من/مجدي أمين

    دعوتك اللطيفه لقلوبنا أن تنحى منحى قلوب الأطفال هى دعوة رقيقة وديعة كرقة ووداعه الأطفال....وكم هو أمل وحلم كل مسلم متسق مع اسلامه ومدرك لحقيقة ايمانه أن يكون كذلك أو هكذا أؤمن....
    هذا ان كان حقا مسلما يعي معنى الاسلام الذي يعني بالقلوب أيما اعتناء.....فالقلوب المشحونه بالخلافات هي في هم دائم يصرفها كثيرا عن جوهر التكليف الذي يجب أن يكون الشاغل للمسلم طيلة حياته,,,,ولكن....من اين لنا أن نرتد
    بهذا القلب الى مراتع الأطفال ؟ كيف لنا وقد أعيته الملمات وأمرضته اللكمات التي توالت عليه الظاهر منها والباطن......أنا ممن يقف لنفسه مترصدا....لماذا فعلت ذلك؟ لماذا قلت ماقلت؟ وطبعا أجيب على نفسي بالحقيقه فليس
    لدي ما أكذب لأجله ولامن أكذب من أجله.....تخيل أنني في أحيان كثيره أجد نفسي مضغوطا حاد المزاج ولايوجد سبب ظاهر لهذه الثوره العارمه التي تسببت فيها حين أسأل نفسي لماذا فعلت ذلك؟....فقط أدرك أنني لست بخير....
    كيف أكون بخير وأنا أرى في التلفاز البرامج الدينيه وهي تساهم في تركيع البشر لزمره من أراذل الناس وتتجنب الحديث عن الواقع ....برامج اللهو عندي أكثر اتساقا مع الحال من هذه المسخات....تخيل أنني أمر على هذه البرامج
    وأنا أسبها ولا أكاد أرى احداها....ثم أثيت التلفاز على أحد الملهيات.....تخيل أنني أصاب بالجنون لو تأخر التلفاز (بسبب عطل في الريموت) في تغيير القناه عن هذه البرامج التي تبث الصحيح الذي في غير موضعه....ثم أقول لنفسي
    لعل هذا من البواطن التي تدفعني الى تلك الثورات الحاده التي تنتابني.....يقولون -وأنا معهم- "الدنيا لاتستاهل"....نعم الدنيا لاتستأهل ولكن قل لي ماهو رد فعلك لو أنك في طابور تستجدي فيه شأن من شئون الحياه وتلتزم مكانك ثم
    يأتي مسخ من الناس ليتعدى على الطابور أمام بلاهة الناظرين ويحصل على مبتغاه ....واذا أردت أن تعترض لم تجد من الوافقين في الطابور من يعضدك....بل قد تجد منهم من يرد عليك أنت .....بأي قلب تعود بعد هذا الموقف
    البسيط الذي بالتأكيد أضحكك من بساطته أو أنه أبكاك....بأي قلب تعود؟ .....وعلى فكره هذه ثقافة الازدحام , ليست بدعا في مصر....فهي في السعوديه أيضا-وأي بلد آخر-اذا دعت الضروره.....لكن الاسلام يهذبها
    منذ أكثر من عشرين عاما....
    وأنا في السعوديه استأجرت سياره وذهبت مع أسرتي الى مكه في آخر يوم من رمضان واستأجرت غرفه في فندق قريب جدا من الحرم لدرجة أننا حينما نزلنا لنصلي صلاة العيد -وكنا قد تأخرنا- وجدنا أن أبواب الفندق الزجاجيه
    قد أقفلها المصلون في الشوارع المحاذيه للفندق فاضطررنا للصلاه داخل ساحات الفندق مؤتمين بامام الحرم هذا من فرط قربنا من الحرم.....وبعد أن انتهت الصلاه جلسنا في قاعه من قاعات الفندق بعض الوقت واذا بي ألاحظ
    رجلا لايتحدث العربيه يحاول أن يجمع أناسا يبدو أنهم من بلده في هذه القاعه.....ولم أجد مايدل على أن القاعة محجوزه له أو لغيره....فلبثت جالسا في مكاني حتى جائني -هذا الرجل- وطلب مني أن أخلي مكاني لأحد مريديه
    وظننت ساعتها أنني ربما كنت مخطئا وأنه يبدو أن القاعة فعلا محجوزه له فغادرت المكان....وبسبب الفضول ذهبت الى استقبال الفندق وسألته عما اذا كانت هذه القاعه محجوزه فأجابني بالنفي فأعدت عليه السؤال ان كان يمكنني
    أن اجلس فيها بعض الوقت فأجابني أنه بالطبع يمكن أن أجلس فيها كما أريد طالما من ساكني الفندق.....وطبعا صممت أن أعود وأجلس فيها رفضا لفعل هذا الأخرق الذي أملى علي مالاأريد....وماهي الا دقائق وعاد فوجدني
    فتحدث معي بالانجليزيه وكال لي مالا يمكن احتماله وأنا في دهشه عقدت لساني من هذا الكيل الذي لاأعلم سببه....بأي قلب أعود الى مكه الذي أنا فيها.....وبأي قلب أعود للعيد الذي فقدناه أنا وأسرتي....وكلنا لانفهم ماحدث
    الى يومنا هذا....بل وكلنا نذكر القصه مع أن أولادي كانوا أطفالا في ذاك الوقت ويقصوها علي كأنها الآن....بأي قلب أعود وأنا لم أقتص لنفسي....وهو شئ مشروع....بل وفيه حياه.....بأي قلب أعود وأنا مازلت أذكر ماحدث رغم
    مرور أكثر من عشرين عاما وتكسوني الحسره على أني لم أفهم شيئا ولم أحرك ساكنا.....بأي قلب أفهم ماحدث وقد حدث -بالتأكيد- من مسلم لمسلم في أول عيد الفطر في مكه وعلى بعد أمتار من صحن الكعبه وبدون سبب واضح
    ...... هذا غيض من فيض ولكنه يكفي ....لعله أوضح الفكره فالكلام في المطلق صحيح وهو أن القلوب يجب أن تكون خاليه الا من الحب والود بل ويحظى باتفاق من الجميع بل ومازلت ادعوا نفسي اليه ....
    فقط أريد ألا نلوم كثيرا على من فقدوا من عذرية قلوبهم أو أن نعيبهم فعندهم أسباب قواهر....لكننا لانشجع التمادي والتلحف بالأسباب بل المحاوله في العوده حتى يقضي الله أمرا كان مقضيا

    ردحذف
    الردود

    1. شكرا جزيلا على المشاركة أخي الحبيب م. مجدي
      الله عز وجل يقول في كتابه العزيز
      وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (سورة الشورى الآية 40)
      يقول الشيخ الن عثيمين رحمه الله :" لا يكون العفو خيرا إلا إذا أدى إلى إصلاح"

      أما فيما يخص القضايا التي لا نستطيع أن نغير فيها بسبب أننا لا نملك سلطة أو لأنها فات وقثها ، فلماذا نتحسر عليها ما دام أننا فعلنا ما بقدرتنا فعله في ذلك الوقت، لا ننسى أن هناك يوم الحساب ، وفيه سيقتص الله للمظلوم من الظالم ، يقينك أنك سوف تأخذ حقك كاملا في ذلك اليوم وأن ذلك خير لك من أخذه في الدنيا سوف يشعرك بسعادة حقيقية. في ذلك سيكون لك الخيار بين أخذك لحقك من الظالم أو العفو عن أخيك لتحصل على الأجر والثواب من الكريم الوهاب وهو أعظم من حصولك على حقك من أخيك.
      وهنا تفصيل أكثر للموضوع وبأسلوب جميل للشيخ مشاري الخراز

      https://youtu.be/RkL8TkmaPOI

      حذف
  6. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  7. جزاك الله خيرا أبو البراء
    العفو عند المقدره .... فأي مقدرة كنت أملكها ياترى في الموقفين....وان كانت الحياة تترى لحلقات من مثيلات الموقفين في عموميتهما فأي
    نفس تطيق هذا العيش وتظل صافية كنفوس الأطفال .... أما العفو عن الظالم لجلب الحسنات .... فهو بالتأكيد حق أريد به تركيع الناس لأراذل
    الناس كما ذكرت ..... ومع ذلك أنا لا أبحث عن حلول خرج نطاق ما ذكرت أنت .... حاش لله فالله والحمد لله كاف عبده ولكن الأمر ليس
    هينا .... ولكم الشكر

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دثار أبي

.  دثار أبي ( كلمات لم أستطع أن أبوح بها لوالدي هيبة منه ) عندما أعود بذاكرتي إلى أيام الطفولة، أتذكر البرد القارص للشتاء في بلدة الكرك ، كان ذلك في بداية السبعينيات الميلادية. في منتصف غرفة الجلوس في بيتنا كانت هناك مدفأة تعمل بالكاز ، والأرض مفروشة بسجاد وفوق السجاد تم وضع قطع من فرو الأغنام والتي تسمى بالجاعد. كان والدي حفظه الله في أغلب أمسيات تلك الأيام الباردة يرتدي فروة طفيلية وهي عبارة عن دثار مبطن بفرو صغار الأغنام. أسعد لحظات حياتي في تلك الساعات عندما يضمني والدي تحت جناحه ويدخلني تحت دثاره. عندها أشعر بدفء في جسدي الصغير ودفء من نوع آخر هو دفء حنانه ومشاعره. كان يطلق علي أسماء مختلفة مرة يدعوني بمعن ومرة مجاهد وغيرها من الأسماء المختلفة التي تشعرني بالأمان والتميز والسعادة الغامرة. وكلما مرت الأيام والسنون أكتشف أكثر أن دثار أبي يضم تحته الكثير والكثير من الأسر والأرحام والارامل والايتام والفقراء والمحتاجين، يساعد هذا ويضمد جراح هذا، ويمد يد العون لآخرين ، يساعد أحدهم في مشروعه الصغير ، ويقرض آخر ليشتري أرضا أو يبني بيتا ، بل وقف بنفسه على بناء عدد من...

أواصر هشة

                                                       -     م. سامي بن عيد  يسعى للبر بوالدته ويتواصل معها من بعيد لكنه انقطع عن زيارتها منذ عدة سنوات بسبب خلاف مع زوج أمه. وأخرى نادرا ما تزور والدها في بيته لأنها ليست على علاقة جيدة مع زوجة أبيها. وآخر منذ فترة طويلة لم يدخل بيت أخته لأنه لا يحب زوجها، وأخرى لم تفكر يوما ما بزيارة أخيها بسبب سوء تفاهم قديم مع زوجته. وقل نفس الشيء عن العم والعمة والخال والخالة ،و..... صور مؤلمة من التقصير في بر الوالدين وصلة الرحم يجد أصحابها لأنفسهم المبررات الواهية للاستمرار على فعلها بالرغم من الألم والحزن الذي  يشعر به الطرف الآخر. تمر الأيام والأعياد والمناسبات دون لقاء أو اجتماع، فقدت تلك الأسر حلاوة اللمة والاجتماع والمشاركة والتعاضد ،  إلا يخشى أولئك أن يؤدي بهم التمادي في ذلك إلى قطيعة الرحم، فطول العهد والبعد يؤديان إلى الجفاء وضعف الأواصر ثم القطيعة،  ومن ثم الدخول في ق...