. - سامي بن عيد
كثير من الأشياء التي تحقق لنا السعادة هي من حولنا لكننا نبحث
عنها في أماكن أخرى.
قال تعالى:
﴿فَقَالُوا
رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ
أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ
لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾[1]
(يَذْكُرُ
تَعَالَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الغِبْطة وَالنِّعْمَةِ، وَالْعَيْشِ الْهَنِيِّ
الرَّغِيدِ، وَالْبِلَادِ الرَّخِيَّةِ، وَالْأَمَاكِنِ الْآمِنَةِ، وَالْقُرَى
الْمُتَوَاصِلَةِ الْمُتَقَارِبَةِ، بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، مع كثرة أشجارها
وزروعها وثمارها، بحيث إِنَّ مُسَافِرَهُمْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى حَمل زَادٍ وَلَا
مَاءٍ،...
﴿فَقَالُوا
رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾[2]
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ بَطروا هَذِهِ النِّعْمَةَ -كَمَا قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ-وَأَحَبُّوا
مَفَاوِزَ وَمَهَامِهَ يَحْتَاجُونَ فِي قَطْعِهَا إِلَى الزَّادِ وَالرَّوَاحِلِ
وَالسَّيْرِ فِي الحَرُور وَالْمَخَاوِفِ..
﴿فَجَعَلْنَاهُمْ
أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ أَيْ: جَعَلْنَاهُمْ حَدِيثًا
لِلنَّاسِ، وَسمَرًا يَتَحَدَّثُونَ بِهِ مِنْ خَبَرِهِمْ، وَكَيْفَ مَكَرَ اللَّهُ
بِهِمْ، وَفَرَّقَ شَمْلَهُمْ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ وَالْأُلْفَةِ وَالْعَيْشِ
الْهَنِيءِ)[3]
وعن عُبَيداللَّه بِن مِحْصَنٍ الأَنْصارِيِّ الخَطْمِيِّ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: ﴿َ منْ أَصبح مِنكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى
في جَسدِه، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا
بِحذافِيرِها﴾ [4]
ومن تأمل في نفسه وفيمن حوله من الناس لوجد أنه يمتلك من النعم
وأسباب السعادة التي يتمناها الكثير من الناس.
فالله وهبنا سعادة وجودنا مع الابناء والزوجة وغيرنا مشرد او بعيد
عن أهله وأقاربه، والبعض يسعد بوجود والديه أو أحدهما على قيد الحياة يبره ويحسن
إليه وتصله بركة دعاء والديه وآخرون تربوا أيتاماً ولم ينعموا بعيش مع أب أو ام ،
وأعطنا سعادة وجودنا في وظيفة يأتينا راتبها كل شهر وغيرنا عاطل يصارع من أجل لقمة
العيش ، ووهبنا الله سعادة الصحة والعافية وهناك من يئن في سريره من المرض، ونعيش
في أمن في بيوتنا وبلداننا وغيرنا يعيش في خوف وقلق ، وأهل المساجد يسعدون
بالمحافظة على الصلاة في وقتها وهناك من هو مشغول عنها في ملهيات الحياة ...
قال تعالى﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾[5]
هذه السعادة والنعم تحتاج منا الشكر والحمد والثناء على من وهبنا
إياه فبالشكر تدوم النعم وتزداد.
قال تعالى:
﴿
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ
إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾[6]
اشكال السعادة تتنوع وتتعدد بوجود النعم المختلفة التي لا تعد ولا
تحصى ، فينبغي ان نشكر الله عليها ونحمده قبل ان نفقدها.
ولنردد صباح مساء (اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك
فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر)[7].
وإذا لم يمن الله عليك بأمر ما فلحكمة يريدها سبحانه وتعالى، فأمر
المؤمن كله خير .
قال الشاعر الفرنسي جاك بريفير
" لقد أدركت السعادة من الجلبة التي خلفتها أثناء رحيلها"
فالسعادة تكمن في الموجود لا في المفقود
[7]
من قالها حين يصبح فقد أدى شكر يومه، ومن قالها حين يمسي فقد أدى
شكر ليلته. أخرجه أبو داود، 4/318 ، برقم 5075، والنسائي في عمل اليوم والليلة
،برقم 7، وابن السني،برقم 41،وابن حبان(موارد) برقم 2361، وحسّن الشيخ ابن باز
إسناده في تحفة الأخيار ص24.
👍
ردحذف