التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل نطلب من أبنائنا المستحيل؟

 - هل نطلب من أبنائنا المستحيل؟!

                        - سامي بن عيد          
١٤٤٠/٥/٥              



عندما نريد من أبنائنا أن ينتقلوا من نجاح إلى نجاح ومن فوز إلى فوز دون أن يمروا بمرحلة إخفاق أو فشل فإننا نطلب منهم المستحيل.

فالطالب الذي عود أهله على التفوق بحصوله على الترتيب الأول في كل عام ، فإذا لم يحالفه الحظ في إحدى المرات وحقق الترتيب الثالث مثلا ، قد يقابل من قبل والديه باللوم والعتاب بدل الشكر والثناء لأنه خيب آمالهما ، ولم يحقق الهدف المرجو.
فما بالكم إذا حصل على درجة جيد جدا  فقد يعاقب ويحرم من جائزة التفوق.
وطالب آخر قد حقق أمنيته وأمل والديه وقبل في كلية الطب أو الهندسة ، ثم واجهته بعض الصعوبات في السنة الأولى أو السنة الثانية ، قد يجد صعوبة في تفهم والديه لمشكلته .وقد يصعب عليه التعافي من المشكلة أو أن  يقبلا  أن ابنهم يواجه مشكلة وقد يصاب بالإحباط أو بصدمة نفسية  بسبب الصورة المثالية التي رسمها والداه ومن حولهم عن القدرات الخارقة التي يمتلكها هذا المسكين وتحميله فوق طاقته.
من الطبيعي أن يمر الإنسان بمواقف ضعف وإخفاق في حياته، فخبرات الإنسان تتكون من خلال المحاولة والخطأ ، وكما يقال الفشل هو الباب الخلفي للنجاح.
ليس من المستبعد أن يخفق أحد الأبناء في امتحان أو في تكوين صداقة أو في التعامل مع مشكلة تواجهه في المدرسة أو في الشارع أو يخطئ في منح ثقته لمن لا يستحقها  أو يخفق في لعبة رياضية  أو في التعامل مع أي متغيرات حدثت له ......
نحن أيضا قد نخفق في هذه الأمور السابقة أو في بعضها، فكيف بهم وهم مازالوا صغارا ولا يملكون الخبرات الكافية في الحياة.

 عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كلُّ بني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخطَّائينَ التوَّابونَ "
رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه رقم : 3447 .

هل نترك أبناءنا يواجهون مشاكل الحياة ومخاطرها لوحدهم؟

الإجابة على هذا السؤال بالتأكيد لا.
فنحن لن نستطيع أن نحمي أبناءنا من الإخفاق أو الفشل، يجب أن نعطيهم الفرصة لمواجهة مصاعب الحياة واكتشاف قدراتهم وتنميتها بالتجربة والممارسة.

دعهم يتعلمون من تجاربهم ، فالتجربة هي ميدان التعلم الحقيقي. علمهم أن هناك احتمال للفشل لكن في آخر المطاف عليهم أن ينهضوا من كبواتهم، وأن يتحملوا نتائج اعمالهم، وأن يعتذروا لمن وقع عليه الضرر وأن يصححوا أخطاءهم، قدم لهم الدعم متى احتاجوا إلى ذلك. وقدم لهم الثناء إذا نجحوا. علمهم كيف يتعلمون من تجاربهم، افتح أبواب الحوار معهم وناقشهم ، علمهم مهارات حل المشكلات واتخاذ القرار ودعهم يختارون ويقررون بأنفسهم.
ابْنِ فيهم روح المثابرة والنهوض من الكبوات والتكييف مع الأوضاع الصعبة ، علمهم كيف يتعاملون مع المخاطر ويقيمونها ، وأنهم قد يحتاجون إلى أن يخوضوا بعض المخاطر المحسوبة.
اصنع منهم أبناء أقوياء من خلال الممارسة والتجربة والمثابرة.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دثار أبي

.  دثار أبي ( كلمات لم أستطع أن أبوح بها لوالدي هيبة منه ) عندما أعود بذاكرتي إلى أيام الطفولة، أتذكر البرد القارص للشتاء في بلدة الكرك ، كان ذلك في بداية السبعينيات الميلادية. في منتصف غرفة الجلوس في بيتنا كانت هناك مدفأة تعمل بالكاز ، والأرض مفروشة بسجاد وفوق السجاد تم وضع قطع من فرو الأغنام والتي تسمى بالجاعد. كان والدي حفظه الله في أغلب أمسيات تلك الأيام الباردة يرتدي فروة طفيلية وهي عبارة عن دثار مبطن بفرو صغار الأغنام. أسعد لحظات حياتي في تلك الساعات عندما يضمني والدي تحت جناحه ويدخلني تحت دثاره. عندها أشعر بدفء في جسدي الصغير ودفء من نوع آخر هو دفء حنانه ومشاعره. كان يطلق علي أسماء مختلفة مرة يدعوني بمعن ومرة مجاهد وغيرها من الأسماء المختلفة التي تشعرني بالأمان والتميز والسعادة الغامرة. وكلما مرت الأيام والسنون أكتشف أكثر أن دثار أبي يضم تحته الكثير والكثير من الأسر والأرحام والارامل والايتام والفقراء والمحتاجين، يساعد هذا ويضمد جراح هذا، ويمد يد العون لآخرين ، يساعد أحدهم في مشروعه الصغير ، ويقرض آخر ليشتري أرضا أو يبني بيتا ، بل وقف بنفسه على بناء عدد من...

القلوب الأشد فرحا بالعيد

. القلوب الأشد فرحاً بالعيد (1)       -  سامي بن عيد عيد الأضحى 1434هـ        لازلت أزداد يقينا ًبأن أكثر الناس فرحاً واستمتاعاً بالعيد هم الأطفال، لأنهم يملكون قلوباً بيضاء طاهرة نقية لا تحمل الحقد أو الضغينة . رأيت أناساً في العيد قد قلبوا أفراحهم أحزاناً ، فهم في كل مناسبة سعيدة يجترون أحزانهم القديمة، ويبكون ويشتكون مصائب الزمان بدل أن يفرحوا ويَسعدوا ويُسعدوا من حولهم ،لم يعيشوا الحزن عند حدوثه مرة واحدة بل عاشوه ويعيشونه مرات ومرات ، ملأوا حياتهم وحياة من حولهم  نكداً وبؤساً حتى أصبحت الشكوى ديدنهم والتعاسة الصفة الملازمة لهم . وعلى العكس من ذلك هناك أناس قلوبهم كقلوب الأطفال بيضاء لا تحمل إلا الخير والحب والمعروف ، قلوب اعتادت على العفو والسماحة، قلوب لينة مرنة لديها القدرة على الصفح والغفران . قلوب علمت أن معنى العفو هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأن أصله المحو والطمس ، فمحت أخطاء اﻷخرين من قلوبها،ونظفت قلوبها مما يفسدها .   وعلمت أن من معاني العفو الأَرضُ الغُفْلُ التي لم تُوطَأَ وليست بها آثار، فلم ...

أواصر هشة

                                                       -     م. سامي بن عيد  يسعى للبر بوالدته ويتواصل معها من بعيد لكنه انقطع عن زيارتها منذ عدة سنوات بسبب خلاف مع زوج أمه. وأخرى نادرا ما تزور والدها في بيته لأنها ليست على علاقة جيدة مع زوجة أبيها. وآخر منذ فترة طويلة لم يدخل بيت أخته لأنه لا يحب زوجها، وأخرى لم تفكر يوما ما بزيارة أخيها بسبب سوء تفاهم قديم مع زوجته. وقل نفس الشيء عن العم والعمة والخال والخالة ،و..... صور مؤلمة من التقصير في بر الوالدين وصلة الرحم يجد أصحابها لأنفسهم المبررات الواهية للاستمرار على فعلها بالرغم من الألم والحزن الذي  يشعر به الطرف الآخر. تمر الأيام والأعياد والمناسبات دون لقاء أو اجتماع، فقدت تلك الأسر حلاوة اللمة والاجتماع والمشاركة والتعاضد ،  إلا يخشى أولئك أن يؤدي بهم التمادي في ذلك إلى قطيعة الرحم، فطول العهد والبعد يؤديان إلى الجفاء وضعف الأواصر ثم القطيعة،  ومن ثم الدخول في ق...