- الذاكرة العفنة
- سامي بن عيد
١٤٤٠/٤/٢٦
قد يملك أحدهم حسا طريفا وأسلوبا مرحا وبالرغم من ذلك فالجميع يتضايق منه ومن أسلوبه. ويعود السبب إلى أن هذا الرجل في كل فرصة سانحة له يروي للناس ما يعرفه من ماضي الآخرين ، لكن كل تركيزه على الجوانب السلبية منها فقط. يذكرهم بكل ما هو سلبي في حياتهم رغم قلته وينسى الجميل منها رغم كثرته، يتحدث في حضرة أبناءهم وأصدقائهم ومن يرونهم قدوة أو حتى الغرباء.يتحدث بكل أريحية وسرور دون مراعاة لمشاعر الآخرين، يملك ذاكرة عفنة لا يتذكر سوى الجانب المظلم من حياة الآخرين، أو ظروفهم الصعبة أو القاسية التي مرت بهم . يتذكرها ويرويها للأخرين من باب السخرية والاستهزاء أو الانتقاص منهم دون مراعاة لحساسية وخصوصية هذه الأمور بالنسبة لهم.
فإذا قدر الله عليك وجلست حذو أحدهم في مناسبة ما ، فإنه لا يفتئ يحدثك عن هذا وماضيه او ماضي أبيه أو جده ، فهذا كان والده أرعن وذلك كان جده بخيلا ، أما ذاك الذي يجلس في زاوية المجلس فكان أبواه كثيري الشجار ، أما هذا الرجل الذي دخل لتوه كانوا يلقبونه بالاطرم لثقل في لسانه ،أما ذلك الرجل الطويل فعندما قدم من القرية في أول مرة كان يخاف من ركوب السيارة ، وهذا الذي أصبح مديرا للمدرسة الفلانية كان ضعيفا في الدراسة ويتعرض للضرب المبرح من المعلم في المدرسة ... وهكذا فلا يسلم أحد من لسانه السليط.
ذات مرة ألتقيت بزميل سابق كنا سويا في المرحلة الثانوية ، كان قد أعيا المعلمين بكثرة مشاغبته ومقالبه معهم أو مع زملائه الطلاب ، فأسر إلي أنه يشعر بالندم ويكاد أن يذوب خجلا كلما تذكر تصرفاته غير اللائقة مع معلميه، ويود أنه لو لم يفعل ذلك ابدا.
الحقيقة أننا بشر ولسنا معصمومين من الخطأ، ولكل منا أخطاء وتصرفات خاطئة في أيام الطفولة أو الشباب كنا نعتقد أنها صحيحة في ذلك الوقت، ولما كبرنا ونما وعينا أدركنا كم كنا مخطئين وشعرنا بالندم وودنا أننا لم نقم بها.
ونحن لا نحب أن نتذكرها بيننا وبين أنفسنا فكيف أن نتحدث بها أمام الآخرين!
قال -عليه الصلاة والسلام- : «إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس، يهوي بها أبعد مما بين السماء والأرض، وإن المرء ليزل على لسانه، أشد ما يزل على قدميه» (رواه البيهقي )
وقال عز وجل : ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ ﴾ [النساء: 148]، فكلُّ ما كان سيِّئًا من القول، فالجهر به لا يحبُّه الله عزَّ وجلَّ.
وقد رُوِي عن بعض السلف أنه قال: أدركتُ قومًا لم يكُن لهم عيوب، فذكروا عيوبَ الناس، فذكر الناس عيوبهم، وأدركتُ قومًا كانت لهم عيوب، فكفُّوا عن عيوب الناس فنُسِيت عيوبهم.
وشاهِدُ هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم -: (يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ) رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع (7984).
تعليقات
إرسال تعليق